شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، سيدنا ونبينا محمد اسم> عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-
باب: سؤال جبريل اسم> النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم الساعة وبيان النبي -صلى الله عليه وسلم- له.
ثم قال: رسم> جاء جبريل اسم> -عليه السلام- يعلمكم دينكم متن_ح>
رسم> فجعل ذلك كله دينا، وما بين النبي -صلى الله عليه وسلم- لوفد عبد القيس من الإيمان، وقوله تعالى: رسم>
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ قرآن>
رسم> .
حدثنا مسدد اسم> قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم اسم> قال: أخبرنا أبو حيان التيمي اسم> عن أبي زرعة اسم> عن أبي هريرة اسم> قال: رسم> كان النبي -صلى الله عليه وسلم- بارزا يوما للناس، فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث. قال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام: أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربتها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله. ثم تلا النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم>
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ قرآن>
رسم> ثم أدبر، فقال: ردوه: فلم يروا شيئا، فقال: هذا جبريل اسم> جاء يعلم الناس دينهم متن_ح>
رسم>.
قال أبو عبد الله اسم> جعل ذلك كله من الإيمان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
يفسر الإسلام بأنه الأعمال الظاهرة، والإيمان بأعمال القلب، وهذا إذا جمعا، إذا ذكرا جميعا.
فالإسلام: هو الأعمال الظاهرة، والإيمان: هو أعمال القلب، كما في هذا الحديث؛ وذلك لأن الإيمان يفسر بالاعتقاد، والإسلام يفسر بالاستسلام.
وأصل المسلم أنه هو الذي يسلم أمره لربه، وهو الذي ينقاد لما أمر به، وهو الذي يفعل الأعمال الظاهرة التي كلف بها، وأما الإيمان فإن أصله العقيدة التي تكون في القلب.
ذُكر أن الصحابة كانوا يستحيون من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يسألوه، ويحترمونه، فجاء جبريل اسم> -ملك الوحي- في صورة رجل، ذكر في الحديث أنه جاء في صورة رجل أعرابي؛ ولكن مع ذلك ما رأوا عليه أثر السفر، ما جاء من بعيد، وكذلك ما عرفه أحد منهم، مما يدل على أنه غريب.
لما جلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، يعني عن كل واحد منهما، النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر له ذلك، وبين أن هذا كله من الدين.
فأولا- في هذا الحديث أنه سأله عن الإيمان، يعني حقيقة الإيمان ومنبعه، فقال: ما الإيمان؟ فسره النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الأركان؛ ولكنه ما ذكر إلا أربعة أركان، قال: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فالإيمان بالله تعالى يدخل فيه الإيمان بربوبيته أي أنه هو رب العالمين ومالكهم، ويدخل فيه الإيمان بوحدانيته أي أنه معبودهم وحده، ويدخل فيه الإيمان بأسمائه وصفاته أي أنه عالم الغيب والشهادة، الموصوف بصفات الكمال، والمنزه عن صفات النقص. هذا مما يدخل في الإيمان بالله.
وأما الإيمان بملائكته فهو أن نؤمن بأن لله ملائكةً خلقهم لعبادته، ووصفهم بقوله تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
والإيمان بلقائه، يعني بلقاء ربنا في الآخرة؛ يعني نؤمن بأننا ملاقوه، قال تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
أما الإيمان بالرسل، ذكر الله في القرآن خمسة وعشرين رسولا، مجموعهم الرسل الذين ورد ذكرهم؛ مع أن رسل الله كثير، قال تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
الإيمان بالبعث هو التصديق بأن الناس إذا ماتوا يبعثون، وأنهم محاسبون ومجزيون بأعمالهم؛ إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. نصدق بذلك، ومن آمن بالبعث فلا بد أن يستعد للقاء الله، لا بد أن يستعد ويتأهب، فإن من صدق بشيء فلا بد أن يستعد له، والاستعداد هو كون العبد في هذه الحياة يعمل الأعمال الصالحة التي تكون سببا في أن الله تعالى ينجيه في الدار الآخرة من العذاب، ويدخله دار الثواب، والأعمال الصالحة ظاهرة.
أما من يقول: آمنت بالآخرة وصدقت بالبعث ومع ذلك يعمل عمل الفجار، ويفرط أي في الطاعات، ويرتكب المحرمات فمثل هذا ما صدق في قوله: إنه مؤمن بالآخرة؛ لأن الإيمان بالآخرة لا بد أن يظهر أثره على المؤمن.
من أركان الإيمانِ الإيمانُ بكتب الله يعني أنه أنزل كتبا على رسله، وفي تلك الكتب أمره ونهيه، وشرعه، وقضاؤه وقدره، وأخباره، وأسماؤه وصفاته. وآخر تلك الكتب: هو هذا القرآن الذي أنزله الله على نبينا -صلى الله عليه وسلم- كما أن نبينا خاتم الرسل فكذلك كتابه آخر الكتب، وهو مهيمن عليها، قال الله تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
والإيمان به يظهر أثره، من آمن بأنه كلام الله فلا بد أن يظهر أثر هذا الإيمان عليه؛ فيحل حلاله ويحرم حرامه، ويعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه، ويقف عند عجائبه، ويعتبر بأمثاله، ويصدق بأخباره، ويتلوه حق تلاوته، ويحتسب الأجر في تلاوته، ويقرؤه ويتدبره. هذا أثر من آمن به.
من أركان الإيمانِ الإيمانُ بالقدر خيره وشره، القدر قدرة الله، وهو أن نؤمن بأن الله على كل شيء قدير، وأنه لا يخرج عن قدرته شيء، وأن أعمالنا داخلة في خلقه، قال تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
هذه أركان الإيمان.. وقد فصلها العلماء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية اسم> -رحمه الله- في عقيدته الواسطية، بدأها بالإيمان بالله، ثم ذكر الإيمان بكتبه، وقال: من الإيمان بكتبه الإيمان بأن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأن هذا هو كلام الله الذي أنزله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأنه كلام الله حقيقة حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، وأنه كلام الله حيثما قرئ، وحيثما كتب، لا يخرج عن كونه كلام الله، فإن الكلام إنما يضاف إلى من قاله مبتدئا لا إلى من قاله مبلغا مؤديا.
ثم ذكر الإيمان بالبعث بعد الموت، وتفاصيل الآخرة، ثم ذكر أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، ثم ذكر الإيمان بالقدر خيره وشره.
فهذه من تفاصيل ما ذكر في هذا الحديث.
يقول: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فبدأ بالتوحيد رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
الثاني- الصلاة، رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
قال: الركن الرابع- رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ما ذكر في هذا الحديث في هذه الرواية الركن الخامس وهو الحج، ولكنه جاء في حديث آخر، وهو بلا شك من شعائر الإسلام، ولعله لم يذكره في هذه الرواية؛ لأنه لا يجب إلا على القادرين، ولا يجب إلا مرة واحدة في العمر.
والحاصل.. أن الإسلام هو الأعمال الظاهرة، الصلاة والتوحيد والصيام والزكاة والحج، هذه أعمال ظاهرة، فتسمى إسلاما.
بعد ذلك سأل: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
الإحسان في اللغة الإتقان، إتقان الشيء وتقويته، فإذا كان الإنسان من أهل إتقان العمل صدق عليه أنه من المحسنين، فسره هاهنا بقوله: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
يقول: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
الحالة الأولى تسمى عين المشاهدة، أن تعبد الله كأنك تراه، أي كأنك تشاهده، وهي أقوى الحالات.
والثانية تسمى عين المراقبة وهو أن تعلم أن الله عليك رقيب، وأنه لا يخفى عليه منك خافية، ومن استحضر أنه بمرأى ومسمع من الله فإنه لا بد أن يقبل بقلبه على عبادة ربه.
هكذا فسر هذه الخصال الثلاث الإسلام، والإيمان، والإحسان.
ذكر العلماء أن أوسعها هي مرتبة الإسلام، وأهل الإيمان خلاصة أهل الإسلام، أما أهل الإحسان فإنهم خلاصة الخلاصة، يعني صفوتهم، فالصفوة والخلاصة هم أهل الإحسان، فكل من كان محسنا فإنه مسلم ومؤمن، وكل من كان مؤمنا فإنه مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، وليس كل مؤمن محسنا، فمن حصل على مرتبة الإحسان صدق عليه أن يقال: هذا مسلم ومؤمن ومحسن، ومن فاتته مرتبة الإحسان قيل: هذا مسلم ومؤمن، ومن فاتته مرتبة الإيمان قيل: هذا مسلم، فمن حصل على الإسلام فاته أن يكون من أهل الإيمان ومن أهل الإحسان، وأما إذا حصل على الإحسان فإنه قد حاز جميع المراتب. هذا هو الجمع بينها إذا جمع بينها.
ثم سأل عن الساعة؛ وذلك لأنهم كانوا يكثرون السؤال: متى الساعة؟ متى تأتي الساعة؟ يجيبهم الله كما في قوله تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
الأول- رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
الثاني- رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
يقول: ثم إن ذلك الرجل أدبر؛ يعني خرج، ولما اختفى عنهم قال: ردوه. فذهبوا ليردونه فلم يروا شيئا، لم يجدوه فقال: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
أشار البخاري اسم> أيضا إلى حديث وفد عبد القيس ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءه وفد عبد القيس قبيلة من ربيعة كانت منازلهم في جهة البحرين اسم> ؛ يعني في الأحساء اسم> وفي القطيف اسم> وفي تلك الجهات، فلما جاءوا ليتعلموا قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
الباب الذي بعده.
قال رحمه الله:
باب حدثنا إبراهيم بن حمزة اسم> قال: حدثنا إبراهيم بن سعد اسم> عن صالح اسم> عن ابن شهاب اسم> عن عبيد الله اسم> أن عبد الله بن عباس اسم> أخبره قال: أخبرني أبو سفيان اسم> أن هرقل اسم> قال: سألتك هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم. وسألتك هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد.
جاءت هذه الجملة في حديث ذكره البخاري اسم> قبل كتاب الإيمان من قصة أبي سفيان اسم> والد معاوية اسم> ذهب مع قومه إلى الشام اسم> في تجارة فسمع بهم هرقل اسم> الذي هو ملك الروم، فأحضرهم وسألهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألهم عن أتباعه، أشراف الناس أو ضعفاؤهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم.
فقال: هم أتباع الرسل.
سأله: هل يزيدون أم ينقصون؟ فقال: بل يزيدون.
سأله: هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه؟ فقال: لا.
يقول: سألتك هل يرتد منهم أحد؟ هل يزيدون أم ينقصون؟
فذكرت أنهم يزيدون. وكذلك الإيمان حتى يتم، يعني أن الله تعالى يقذفه في القلوب، ثم يزيد أهله إلى أن يتم ما أمر الله به، وهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه. قلت: لا.
يقول: فعلمت أنه هكذا الإيمان، هكذا الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب ما يسخطه أحد.
فيدل على أن الإيمان الذي في القلب إذا امتلأ به القلب فإنه يحبه أهله ويركنون إليه ولا يسخطه أحد، فدل على أنه تُخالِط بشاشته القلوب.
مسألة>